أندريه سيزوف Andrey Sizov، مدير عام سوفيكون
«عندما ننظر إلى سوق الحبوب العالمي بشكل عام، أعتقد بأن قدرات المنتجين على التفاوض قد ازدادت أكثر. حيث أصبح المنتجون بائعين أفضل. وهذا أيضاً يشير إلى أنه سيكون من الصعب على التجار التقليديين جني الأموال في هذا السوق. فالوصول إلى المعلومات الآن أصبح أسهل. والتحوط من المخاطر المالية أصبح أسهل وأرخص. كما يستطيع المزارعون الآن تخزين الحبوب بطريقة أسهل وأرخص. وهذا يعني أيضاً بأن هوامش ربح التجار تتناقص. برأيي أن أكثر الذين سيتضررون من هذا العملية هم عمالقة التجار الذين يُعرفون بألف باء تجارة الحبوب حول العالم.»
لقد حدثت تغيرات كبيرة في أسواق الحبوب في آخر 10 سنوات. هناك الآن «تأثير البحر الأسود» على أسواق الحبوب. في موسم 2017/18 حققت كل من روسيا وأوكرانيا وكازاخستان 37% من تجارة القمح العالمية. تحطم روسيا أرقاماً قياسية في إنتاج القمح. زاد انتاجها الزراعي وصادراتها من المواد الغذائية 16 ضعف منذ عام 2000 حتى اليوم. وقد اكتسبت مساحات زراعة الحبوب والحصاد في منطقة البحر الأسود أهمية كبيرة بالنسبة لتجارة الحبوب العالمية.
أجرينا بهذه المناسبة حواراً صحفياً مع السيد أندريه سيزوف، الخبير المتمرس الذي يتابعه العاملون في قطاع الحبوب عن كثب. السيد سيزوف هو مدير عام شركة سوفيكون SovEcon المختصة في خدمات البحث والاستشارات في الأسواق الزراعية منذ عام 1998 وحتى اليوم. وهو أحد المختصين الذين تستشيرهم وكالات صحفية عالمية مثل، Wall Street Journal، Financial Times، Bloomberg، ورويترز فيما يتعلق بأسواق الحبوب في البحر الأسود على وجه الخصوص.
سألنا السيد أندريه سيزوف، مدير عام شركة سوفيكون عن آخر التطورات والتحديات في قطاع الحبوب، وعوامل الخطر في سوق القمح، وعن توقعاته بشأن صادرات الحبوب الروسية.
سيد سيزوف، أنتم تتابعون منذ أكثر من عشرين عاماً أسواق الحبوب العالمية. ما هو نوع التغيرات التي لاحظتموها في تجارة الحبوب العالمية خلال هذه المدة؟
بالطبع. في البداية أريد أن أتحدث عن البحر الأسود. حيث أصبحت منطقة البحر الأسود عملاق توريد الحبوب. كما أصبحت المركز الأسرع نمواً والعملاق في تجارة الحبوب بما فيها القمح وبعض الذرة بالتأكيد. برأيي، من الممكن أن تصبح الذرة منتجاً أكثر أهمية بالنسبة لهذه المنطقة على المدى المتوسط والبعيد. وخاصة عندما يتم اعتماد المنتجات المعدلة وراثياً. لأن زراعة المنتجات المعدلة وراثياً في الوقت الحالي محظورة رسمياً في روسيا وحتى في أوكرانيا. أي يمكننا القول بأن مركز التجارة العملاق والأهم في البحر الأسود هو مركز التصدير الأسرع نمواً في موضوعي القمح والذرة.
إذا نظرنا حول العالم نرى بأن تجارة الحبوب قد تغيرت تماماً. ويمكننا القول بأن المزارعين تغيروا بشكل كبير، وأصبح لديهم قدرة أكبر على التفاوض. فالوصول إلى المعلومات الآن أمر سهل جداً. والتحوط من المخاطر المالية (hedge) أصبح أسهل وأرخص. كما يستطيع المزارعون الآن تخزين الحبوب بطريقة أسهل وأرخص. وهذا يعني أيضاً بأن هوامش ربح التجار تتناقص.
عندما نقارن حالة المنتجين بحالة التجار، من الطبيعي من أن هناك شرائح مختلفة عن بعضها البعض لكن المشترك هو: كما رأينا منذ عام 2011 حتى اليوم، نجد بأن كلا من المزارعين والتجار يتضررون من هذا التطور عندما تنخفض الأسعار وهوامش الربح. لكن في نهاية المطاف، يتم دعم المزارعين من قبل الحكومات المحلية. مع أن ذلك ليس هو الحال مع التجار. برأيي، حين يصبح المزارعون تجاراً أفضل، سيتركون للتجار هامش ربح صغير للغاية.
يعتقد البعض أن التجار ليس لهم خبز في هذا السوق لعدم قدرتهم على تقديم قيمة مضافة. لكنني أختلف معهم. برأيي أن التجار ينشطون في العديد من المجالات مثل، جمع المنتجات، التحوط، التمويل، والتجارة، وسيواصلون الاحتفاظ والتمسك بالسوق. وهم في كثير من الحالات لا يزالون يهتمون بطلب شراء كميات كبيرة من الحبوب. غالباً ما يكون من غير الممكن للمزارع التعامل مع 50 ألف أو 500 ألف طن من الحبوب. لذلك، سيبقى التجار في هذا السوق.
أعتقد أن أكثر طرف تضرراً من هذه العملية هو شركات السلع العالمية المعروفة بألف باء تجارة الحبوب في العالم. هذه الشركات لديها الكثير من القيود الداخلية والتحديات القانونية والبيروقراطية. بالإضافة لذلك، من الممكن أن تقوم الشركات متوسطة الحجم بنفس الخدمات التي تقدمها هذه الشركات الكبيرة الآن وتقدم نفس القيمة المضافة. يمكن لهذه الشركات التحوط، كما يمكنها تنظيم التجارة. حيث لم يعد من المهم بعد الآن أن تكون الشركة كبيرة ومتواجدة قبل 10-20 سنة مثلاً. لذلك، من المحتمل أن تكون هذه الشركات الكبيرة هي من أكثر الشركات التي تعاني من المشاكل. أوضح مثال على ذلك هو أن عدد من التجار انفصلوا عن شركة Louis Dreyfus السنة الماضية وأسسوا شركة جديدة ليست كبيرة سمّوها Sirientz، بالطبع لم تكن بحجم الشركة التي انفصلوا عنهاـ هذه الشركة تركز أيضاً على تجارة الحبوب في منطقة البحر الأسود.
يجب أن تكون شركات ألف باء تجارة الحبوب أكثر هجومية
حسناً، هل تتوقعون أي عملية دمج في الشركات المعروفة على أنها ألف باء تجارة الحبوب؟ مثلاً، هناك شائعات تدور منذ العام الماضي وحتى اليوم مفادها بأنه سيتم بيع شركة Bunge...
نعم هذا وارد. بالطبع سيكون هناك الكثير من الشائعات حول Bunge. فأسهم الشركة تفقد قيمتها كل شهر، والمساهمون غير راضون، كما اضطر الرئيس التنفيذي السابق إلى الاستقالة مؤخراً.
وفي بعض الحالات قد يكون الدمج هو الحل، لكن التوجه الرئيسي في هذه الشركات الكبيرة هو أن تصبح قادرة على منافسة الشركات متوسطة الحجم والشركات الأكثر هجومية بسرعة، وأن تتعامل مع منتجين أكثر وعياً. قد تضطر الشركات الكبرى في بعض الحالات إلى بيع بعض وحدات العمل لديها لتصبح قادرة على المنافسة، وقد تذهب لحلّ الدمج.
إذا تطلب الأمر تقديم توقعات متعلقة بأسواق الحبوب، فما هي العوامل التي ستحدد أسعار القمح للموسم المقبل؟ وكيف سيتم تشكيل الأسعار؟
برأيي، ستكون الأسعار عند المستويات التي نراها هذا الموسم. فنحن نقترب من نهاية الموسم. وتنخفض المخزونات في جميع أنحاء العالم وفي الكثير من مناطق التصدير. ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة المخزون الأعلى من بين الدول المصدّرة. لكن المخزونات تنخفض في المناطق الأخرى. ويبرز هذا الأمر كنقطة داعمة.
وبالمناسبة، لا يوجد لدينا مشكلة للآن على الأقل من ناحية القمح الشتوي لعام 2019. هناك بعض الانخفاض في مساحات زراعة الحبوب في بعض المناطق، لكن يبدو وضع القمح جيداً جداً بعد موسم الشتاء في مناطق البحر الأسود مثل روسيا وأوكرانيا. فمن الممكن أن تحطن روسيا رقماً قياسياً جديداً في زراعة القمح الشتوي. إذا لم يكن هناك مشكلة كبيرة مع الظروف الجوية في نصف الكرة الشمالي على وجه الخصوص، فيمكن لنا أن نرى حصاداً وفيراً في السنة القادمة أيضاً.
عندما ننظر إلى سوق البحر الأسود، نجد أن الفرق بين القمح القديم/الجديد حوالي 40 دولارًا. يبلغ سعر المحصول الروسي الجديد في الوقت الحاضر حوالي 195 دولار. إذا لم تكن هناك مشكلة كبيرة في الأشهر الخمسة المقبلة، أتوقع أن تكون الأسعار في حدود 180-250 دولار في موسم 2019/20.
سيكون هناك آثاراً طويلة الأمد للحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين
أود أن أسأل عن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين والذي يعتبر قضية ساخنة تؤثر على أسعار الحبوب. المفاوضات مستمرة بين البلدين. هل تعتقدون بأنه سيكون هناك نتيجة إيجابية عن المفاوضات؟
ربما سيعقدون اتفاقاً، عاجلاً أم آجلاً. ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية التصدير للصين، لكن ونظراً لأن السوق ينجذب جزئياً بواسطة منافسين آخرين، فقد يكون حجم هذه الصادرات أصغر. لكن أعتقد بأنه في نفس الوقت سيكون هناك نتائج على المدى
الطويل لهذه الحرب التجارية حتى لو توصل الطرفان إلى اتفاق ما. لأن الصين ستحاول تنويع وارداتها، وستتجه نحو تقليل الاعتماد على الواردات عن طريق انتاج فول الصويا الخاص بها داخل الدولة.
لقد زادت روسيا من نفوذها في سوق الحبوب العالمي، وأصبحت زعيمة العالم في تصدير القمح. هل تعتقدون بأن روسيا ستوطد نفوذها هذا السوق في الفترات القادمة؟
إذا أردنا التحدث عن الموسم القادم، فأعتقد بأن روسيا من المرجح أن تحافظ على موقعها كأكبر مصدر للقمح. إذا استمرت الظروف الجوية بكونها معتدلة، فأتوقع أن تصل روسيا إلى انتاج 80 مليون طن من القمح، وهو ثاني أكبر رقم قياسي بعد ما حققته عام 2017، وأن تصل وصادراتها إلى حدود 35 مليون طن. أي أن الصادرات ستكون قريبة من صادرات هذا الموسم. ستحقق صادرات بحدود 35-37 أو ربما 33 مليو طن. في هذه الحالة ستحل روسيا مجدداً في المرتبة الأولى بين المصدّرين.
ما هو توقعكم بالنسبة للعشر سنوات القادمة؟
إذا تنبأنا على المدى الطويل، فمن المحتمل بشكل كبير أن تكون روسيا في المرتبة 1 أو تستمر روسيا في أن تكون في المرتبة 1 مع تغير ذلك حسب الموسم. يجب علينا هنا أن نأخذ عاملين أو ثلاثة عوامل بعين الاعتبار. الأول هو سياسات الحكومة وتدخل الحكومة في الزراعة بلوائح تنظيمية للتصدير بشكل خاص. تمكنت روسيا من أن تصبح المصدّر الأكبر، وذلك لعدم تدخل الحكومة في الأسواق وفي التصدير. لكن لسوء الحظ، فلقد بدأ في السنوات الأخيرة التدخل بشكل أكثر عبر لوائح التصدير. تكمن المشكلة في روسيا في الضريبة المتعلقة بصادرات القمح. هذه الضريبة حالياً هي 0 بالمائة. ومع ذلك لا تزال مثل هذه الضريبة موجودة وقد يتم تفعيلها عند اللزوم. لقد عانينا من ذلك لبضع مرات في السنوات الأخيرة... في الواقع لقد بدأ هذا الأمر عام 2010. كانت هناك فترات حظرت فيها روسيا التصدير أو أوقفته أو فرضت عليه ضرائب مؤقتة. وهذا الوضع بالطبع ليس جيداً بالنسبة للتجارة. فلا تصدير ولا هامش ربح للمنتجين ولا حماس لدى المنتجين لإنتاج المزيد من القمح. بمعنى أن الكيفية التي تنظم فيها الحكومة الصادرات هي العامل الأول من حيث موقف روسيا بشأن صادرات القمح العالمية. وأرى أن العديد من اللاعبين في السوق قلقون للغاية بشأن خطوات الحكومة. بمعنى آخر، يمكنني القول إن هذا هو عامل المخاطرة رقم واحد في منظور التصدير على المدى الطويل.