إسماعيل كمال أوغلو
شركة İK Tarımüssü للاستشارات الدولية
انتشر فيروس Covid-19 وتحول إلى جائحة أوقفت الحياة في العالم كله، كما أثر بشكل كبير على قطاع الزراعة والغذائيات. فمن ناحية زاد هذا التأثير من أهمية مفاهيم الأمن الغذائي والموثوقية، وجلب المزيد من الحساسية لقطاع الزراعة، ومن ناحية أخرى، أثر بشكل كبير على الأسعار، والوصول إلى المواد الغذائية، والطلب، والجوع والفقر، بسبب آثار القيود المادية والحظر والتعطل الحاصل في توقعات السوق فيما يتعلق بذلك.
في هذا السياق، كيف يجب أن نقيم قطاع الزراعة والغذائيات؟
أولاً، من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار أهمية قطاع الزراعة والغذائيات، وإعادة النظر في علاقة الإنسان مع البيئة والتربة والطبيعة، وقضايا تغير المناخ والمخاطر العالمية. حان الوقت لنستفسر أكثر عن مسألة اختفاء 12 مليون هكتار من الأراضي الزراعية ضمن حدود إيطاليا كل عام وعدم صلاحيتها للزراعة بعد اليوم بسبب التمدن والتآكل وانتشار المصانع، وكيف يؤثر ذلك على مستقبل البشرية. المنطقة التي نتحدث عنها تشكل 80٪ من الأراضي الزراعية في تركيا.
وكما نؤكد دائماً، بأنه لا يبدون أن هناك مشكلة مادية في الأراضي الزراعية التي تؤمن الغذاء للبشرية حول العالم. لأنه في حين أنه يبلغ إجمالي الأراضي الزراعية في العالم 13.2 مليار هكتار، فإن الأراضي الزراعية المحتمل زراعتها هي 4.2 مليار هكتار. اليوم، يستخدم العالم بنشاط 1.6 مليار هكتار من الأراضي، وهو ما يمثل 38 ٪ من الأراضي الزراعية المحتمل زراعتها. وهناك المزيد من الإمكانات، لكن؛ إذا لم يتم الاهتمام على النحو المطلوب بالتربة والزراعة والبيئة، فلن يكون هناك أمل كبير للبشرية في المستقبل. في هذا الصدد، تبرز مرة أخرى أهمية الزراعة والأغذية مرة أخرى أثناء انتشار وباء Covid-19 الذي يؤثر على الحياة تأثير سلبي للغاية.
ثانياً، من ناحية الإنتاج الزراعي، لا يبدو أن هناك مشكلة مادية في عمليات زراعة وإنتاج وحصاد المنتجات الزراعية الاستراتيجية، والتي تعد المصادر الرئيسية للمواد الغذائية. لأن النشاطات الزراعية لمنتجات مثل القمح والذرة والأرز والبقوليات والنباتات الزيتية يتم إجراؤها في الأغلب باستخدام الآلات، وكثيراً ما تدخل فيها التكنولوجيا، ولا تتطلب سوى القليل من القوة العاملة البشرية.. من هنا نلاحظ بأنه من غير المتوقع حدوث خلل في الإنتاج بسبب الفيروس في مجموعات المنتجات هذه في الفترة القادمة.
لكن، وبسبب الحاجة إلى الكثير من القوة العاملة والعمال الموسميين قوى العاملة المكثفة والعمال الموسميون في إنتاج الخضروات والفواكه قد يؤدي ذلك إلى بعض المشاكل لمجموعات المنتجات هذه. ونرى أن الحكومات المحلية تحاول التوصل إلى أنواع مختلفة من التدابير والحلول لمواجهة الفيروس، فمثلاً تقييد حركة العمال الزراعيين الموسميين الذين يذهبون من بولندا إلى أوكرانيا، ومنع قدوم العمال الزراعيين من جورجيا وأذربيجان من أجل جمع الشاي كل عام في تركيا، وحتى تقييد حركة منتجي الشاي في تركيا وحركة السكان القاطنين في مدن أخرى.
ثالثاً، إن أكبر مشكلة سيشعر بها قطاع الزراعة والغذائيات بسبب الفيروس هي خطر اختلال التوازن بين العرض والطلب مع التأثير السلبي للتوقعات أكثر من التوازن بين العرض والطلب المستند إلى الإنتاج. وبينما يُتوقع حدوث زيادة في إنتاج الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية في العالم، تميل الأسعار إلى الارتفاع بسبب قرارات التقييد والحظر. حيث بلغت مخزونات القمح العالمية ذروتها التاريخية وقد تجاوز 180 مليون طن.
في حين بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالحبوب545 مليون هكتار في موسم 2018-19، فمن المتوقع أن تبلغ هذه المساحة 558 مليون هكتار في موسم 2020-21، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج إلى 2.222 مليار طن في حين أنه كان 2.142 مليار طن. وزادت مساحات الأراضي المزروعة بفول الصويا من 126 مليون هكتار إلى 128 مليون هكتار في نفس الفترة، وزادت توقعات الإنتاج من 362 مليون طن إلى 366 مليون طن.
حسناً، ما هي المخاطر والفرص التي نعيشها في هذه الفترة؟
فرضت 88 دولة حول العالم حظراً على صادرات لمختلف المنتجات الخاضعة للتجارة. وتم اتخاذ إجراءات لتقييد تصدير المنتجات الزراعية والمواد الغذائية أو لتسهيل الاستيراد في حوالي 30 دولة. حيث أعلنت أوكرانيا أنها ستوقف صادراتها إلى مصر، لكنها سحبت قرارها على أساس عدم وجود نقص في العرض. وفرضت روسيا حظرا على تصدير الحبوب لغاية 1 يوليو، على اعتبار أن حصة التصدير البالغة 7 ملايين طن، التي أعلنت عنها في وقت سابق في نهاية الأسبوع الماضي، قد انتهت. وتم فرض حظر في 30 دولة، من بينها صربيا وكازاخستان وأوكرانيا ومصر وتايلاند، على عدد كبير من المنتجات مثل البصل والثوم والأرز والزيوت النباتية والحبوب والحنطة السوداء والمنتجات الزراعية المصنعة والسكر والدجاج.
إن القيود في هذه البلدان مهمة. لأن روسيا وأوكرانيا فقط تشكلان 20٪ من إجمالي صادرات القمح العالمية.
وبخلاف ذلك، وجهت المنظمات الدولية مثل، منظمة الأغذية والزراعة (FAO) ومنظمة التجارة العالمية، تحذيرات شديدة بعدم اللجوء إلى القيود المفروضة على التجارة والتدابير التي من شأنها منع الوصول إلى المواد الغذائية. وأصدرت 24 دولة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وأوكرانيا ورومانيا، الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، بياناً مشتركاً طلبت فيه بعدم حظر وتقييد المنتجات الزراعية والغذائية. في الوقت الحالي، هناك 44 دولة حول العالم بحاجة إلى دعم غذائي.
ستستمر في الفترة المقبلة التقلبات في الأسواق الخارجية تتعلق بتأثير الفيروس. بالإضافة إلى:
• سيحدد سير الأسعار مسار الاحتياطات المتخذة في التجارة الخارجية.
• ستفضل الدول الاحتفاظ بمخزون أكبر.
• سيصبح للتكنولوجيا واستخدام الآلات في الزراعة أهمية أكبر.
• سيكون هناك اهتمام أكثر بالتكنولوجيا والرقمنة.
• ستزداد أهمية التجارة الالكترونية في الزراعة والمواد الغذائية.
• سيتم ملاحظة ميل إلى الانخفاض في بنود نباتات الزينة، والورود، وقطاع اللحوم، والخضروات والفواكه، والمواد الاستهلاكية لخارج المنزل.
• سيرتفع الطلب على المنتجات الأساسية مثل، الدقيق، والمكرونة، والأرز، والبرغل، والبقوليات.
• ستكون للأراضي الزراعية قيمة أعلى.
• ستزداد أهمية القواعد اللوجستية الإقليمية.
• ستكتسب الاتفاقيات الثنائية وتفاهمات التعاون الزراعي بين الدول أهمية أكبر.
• سيكون تمويل الزراعة أحد أكثر المواضيع أهمية.
كيف تقيمون التطورات في تركيا؟
تركيا هي موطن للعديد من المنتجات الزراعية الأساسية. ولدى تركيا ميزات في منتجات مثل الحبوب والبقوليات. وهي واحدة من أكبر 3 مُصدّرين في العالم، والمصدّر الثاني للمكرونة، وواحدة من أكبر 3 مُصدّرين للمنتجات المصنعة من الحبوب، بما فيها الدقيق والمكرونة والبرغل والسميد. في عام 2019، تم تصدير ما مجموعه 5.5 مليون طن من هذه المنتجات. في فترة انتشار فيروس Covid-19، لا توجد مشكلة نقص مواد غذائية في الأسواق، ولا توجد مشكلة حتى في موسم الحصاد الجديد، الذي سيبدأ في غضون شهر.
وبالمناسبة، مع اقتراب موسم الحصاد الجديد في تركيا:
* من المتوقع أن تشهد تركيا زيادة بنسبة 10% في الأراضي المزروعة بقمح المكرونة، وزيادة بنسبة 5% في الأراضي المزروعة بالشعير، وزيادة بنسبة 1-2% في مجموع الأراضي المزروعة بالقمح، بالمقارنة مع العام الماضي.
* لا توجد مشكلة، حتى الآن، من الناحية المناخية تؤثر على الزراعة.
* من المتوقع أن يحقق محصول القمح رقم قياسي بزيادة 2-3% عن العام الماضي.
* من المتوقع حدوث زيادة تقارب نسبة 20% في زراعة العدس الأحمر على وجه الخصوص.
جعلت الزيادة في أسعار صرف العملات الأجنبية وارتفاع الأسعار في العام منتجات المواد الخام في السوق الداخلية أرخص من الأسعار خارج البلاد. هذا الأمر مهم من ناحية تطورات السوق في فترة الحصاد ومن ناحية حركة الأسعار.
لكن، انخفاض مساحات الأراضي المزروعة بالحبوب من عام لآخر، وجود حزام على النباتات الموسمية في أكثر الأراضي الزراعية خصوبة (مثل الحمضيات والنارنج في تشوكورفا، والعنب في سهل إيجة)، وتحول شركات تربية الحيوانات إلى استهلاك العلف المختلط أكثر فأكثر وازدياد واردات المواد الخام للعلف ومواد الأعلاف، وإجراء معالجة لـ 55٪ من الصادرات الزراعية التي تصل إلى 18 مليار دولار سنوياً في نطاق نظام المعالجة الداخلية، كل هذه مخاطر مهمة يجب تقييمها من أجل المستقبل.
بالنسبة لفئة البقوليات، هناك فائض في إنتاج الحمّص، في حين أن منتجات مثل الفاصولياء والعدس قد تشهد عجزاً جزئياً في العرض.
إن عوامل مثل، الصعوبات التي يواجهها قطاع الخدمات اللوجستية بسبب تضييق التجارة الخارجية، وانخفاض إمكانات الحاويات، وتقييد حركة الشاحنات، وانخفاض الطلب على منتجات معينة وبالتالي انخفاض صادراتها (في حين كان يتم تصدير أكثر من 1 مليار دولار من منتجات الثروة السميكة، انخفضت صادراتها حوالي 40٪)، يُنظر إليها على أنها سلبيات تعاني منها البلاد.
وهناك مشاكل خطيرة في قطاع السياحة الهام جداً للدخل القومي تأثرت منها البلاد كما أثرت على العالم بأسره.
من ناحية أخرى، فإن تركيا التي تعتبر قاعدة للزراعة والمواد الغذائية في المنطقة، وجسراً للزراعة، ومركزاً للتجارة، ستكون قادرة على تحقيق المزيد من مزايا التصدير في بعض المنتجات في هذه الفترة.
ستكون تركيا في وضع يجعلها تشارك أكثر في توفير مساعدات المواد الغذائية التي توزعها الأمم المتحدة، ويمكنها من تحقيق التفوق في تصدير المواد المصنوعة القائمة على الحبوب، ومنتجات المواد الغذائية المجمدة، والبقوليات، والخضروات والفواكه.
ومع تفعيل المشاريع الدولية والإقليمية مثل خط السكة الحديدة باكو- تبليسي- كارس، ستكون تركيا قوة إقليمية مركزية في حركة المنتجات المادية، ولاعباً إقليمياً هاماً في التجارة الالكترونية بالمنتجات الزراعية وفي بورصة السلع الأساسية. كما أن البورصة التركية المختصة بالمنتجات، التي انطلقت في تركيا العام الفائت، تتقدم بخطى واثقة على هذا المسار.