يبتعد المزارعون في الأناضول عن انتاج القمح. فالمزارعون الذين يتعذر عليهم تحقيق الربح الذي يريدونه بسبب التكاليف العالية التي أدى إلى ارتفاعها أسعار صرف العملة الأجنبية المتزايدة يلجئون إلى منتجات ذات تكلفة إنتاج أقل بدلاً من القمح. إن الهروب من القمح لا يقلق المنتج فحسب، بل يقلق الصناعيين والتجار أيضاً.
وصل الهروب من إنتاج القمح في السنوات الأخيرة، الأمر الذي أصبح رويداً رويداً معلوماً لدى الجميع، إلى مستويات تبعث على القلق. فقد تم التطرق إلى هذا القلق من قبل جميع أصحاب المصلحة في هذا القطاع، كالمزارعين والصناعيين وبائعي البذور والتجار، في مؤتمر «الحبوب في تركيا والعالم نحو الحصاد 2019/2020» الذي عقدته جمعية مورّدي الحبوب (HUBDER) في أنقرة في شهر مايو. تم في العروض التقديمية التي أجريت في المؤتمر التطرق إلى أن مساحات زراعة القمح في تركيا كانت 9.2 مليون هكتار في بداية سنوات 2000، وبأنها انخفضت إلى 7.85 مليون عام 2015، وإلى 7.67 مليون عام 2017، وإلى 7.2 عام 2018. وعلى الرغم من الانخفاض في مساحات زراعة القمح، لم تشهد البلاد انخفاضاً كبيراً جداً في كمية الإنتاج، وذلك بفضل الزيادة في الإنتاجية. لكن تم التأكيد على أنه من الممكن أن التقلص في مساحات الإنتاج قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاج أيضاً لاحقاً وخاصة بسبب ظاهرة التغير المناخي. إن السبب الأهم لتقلص مساحات الإنتاج للقمح هو انخفاض الأرباح التي يحصلها المنتجون من القمح بالمقارنة مع منتجات بديلة أخرى. لذلك، يتجه المزارعون في منطقة الأناضول الوسطى إلى منتجات مثل الحمّص والشعير، لكونهما أكثر إنتاجية وربحية لكل ديكار (واحد على عشرة من الهكتار)، بدلاً من القمح. ولذلك تم تسجيل زيادة تُقدر بـ 10 بالمائة في انتاج الشعير السنة الماضية في عموم البلاد. لقد توجه المزارعون لزراعة القطن والذرة بدلاً من القمح في المناطق التي يتم فيها الزراعة بالري مثل إيجه وتشوكورفا، وذلك لعدم تمكنهم من تحقيق أرباح من القمح. أما في تراقيا، فيفضل المزارعون هناك زراعة البذور الزيتية مثل الكانولا وعباد الشمس بدلاً من القمح. ونحن نرى الآن الذرة بدلاً من سنابل القمح في العديد من السهول ضمن إطار مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP). أعرب السيد أحمد جولدال، المدير العام لمكتب محاصيل التربة (TMO)، في الاجتماع الذي تم فيه طرح هذه المخاوف، بأن مكتب محاصيل التربة سيحدد أسعار شراء التدخل في جميع المحاصيل مثل الحبوب قبل فترة الحصاد. ونوّه السيد جولدال إلى حالة التضخم وأسعار شراء التدخل في جميع المنتجات وأسعار الحصاد، مشيراً إلى أنهم سيعدون سيناريوهات للأسعار بحيث لا تؤثر سلباً على المستهلك في السوق الداخلية والخارجية، وبشكل يشجع المنتجين على الزراعة. وتحدث السيد جولدال قائلاً «سنشتري جميع المنتجات الواردة إلينا، وأكملنا تحضيراتنا بما يتوافق مع هذا الأمر. ونحن عاكفون على التسعير لجعل الإنتاج مستداماً وذلك لضمان انتاج الحبوب بنسب كبيرة في السنة القادمة. نريد أن نرى أكثر من 20 مليون طن من المحصول في موسم انتاج الحبوب 2020-2021. وبالتأكيد لا نرغب بأن تصبح الأسعار في السوق بمستويات قد تؤثر سلباً على المستهلكين.»
فليتم الإعلان عن أسعار البيع أيضاً كما هو الحال مع أسعار الشراء
أفادت السيدة جولفيم إرين، رئيس مجلس إدارة جمعية مورّدي الحبوب (HUBUBDER)، بأنهم يرون أنه من المفيد أيضاً الإعلان عن أسعار شراء الحبوب قبل الحصاد، وقالت بأنه يجب الإعلان عن أسعار الشراء أيضاً في أقرب وقت ممكن. وذكرت السيدة إرين بأن المدخلات الأساسية مثل، المازوت والسماد والبذور، تزداد حسب مؤشر العملة الأجنبية، وتحدثت قائلة: «إن تحديد أسعار شراء التدخل المحسوبة بشكل جيد مثل ما كان الأمر عليه السنة الماضية، والتخطيط للإنتاج بشك دقيق من أجل زيادة انتاج الحبوب، سيؤديان إلى حل مشكلة التضخم من جذورها على المدى الطويل. ومع الأسعار المعلن عنها نتوقع أن يشتري مكتب محاصيل التربة بكميات كبيرة ليس فقط في الجنوب الشرقي وتشوكورفا، بل في مناطق أخرى أيضاً، وأن يؤدي ذلك إلى سوق أكثر توازناً. رغبتنا هي بأن يتم الإعلان عن أسعار بيع الحبوب في أقرب وقت ممكن، وأن يزداد البيع بالتدريج في الشهور القادمة.»
يريد الصناعيون الإعلان عن سعر الشراء قبل الزراعة
أشار السيد إرين جونهان أولوسوي، رئيس اتحاد صناعيي الدقيق في تركيا (TUSAF)، إلى أن التقلص في مساحات زراعة القمح هو أمر ينذر بالخطر، وقال بأنه ينبغي على المزارعين الإعلان عن وتحديد السعر الهدف قبل الشروع بالزراعة. وأوضح أولوسوي بأن التغير المناخي يؤثر بشكل سلبي على الإنتاج، ويؤدي إلى عدم الاستقرار في الأسعار والعزوف عن الإنتاج، وقال بأن زيادة التكاليف بالنسبة لمصنعي الدقيق تمثل مشكلة كبيرة. حيث تحدث أولوسوي قائلاً: “مع تقلص مساحات زراعة القمح في تركيا بما نسبته 23 بالمائة في المجموع خلال السنوات 2000-2018، انخفضت المساحة إلى 7.2 مليون هكتار. وارتفع متوسط التقلص السنوي من 1-1.5 بالمائة في آخر 18 سنة إلى 5 بالمائة في عام 2019. تُقرع نواقيس الخطر، ويجب تجنب هذا الخطر. بفضل الهطول الجيد للأمطار هذا العام، نعتقد بأنه سيتم تلافي ضياع بنسبة 5% لهذا العام، أي أنه على الرغم من تناقص المساحات الزراعية، إلا أنه من المتوقع ألا يكون هناك ضياعاً في الإنتاج بالمقارنة مع العام الماضي بفضل هطول الأمطار، وننتظر محصولاً قدره 20 مليون طن على أقل تقدير. لكن من الضروري تغطية تكاليف المزارعين من ناحية الاستمرارية في انتاج القمح. لذلك، من الأفضل أن يقوم المزارعين بالإنتاج مع معرفة السعر قبل زرع البذور، أي في شهري أكتوبر- نوفمبر. يميل المزارعون إلى الزراعة أكثر طالما تم التخلص من حالة عدم الاستقرار.
الاستهلاك العالمي من القمح سيزيد 10 مليون طن
أشار الدكتور ديمتري ريلكو Dmitri Rylko، مدير معهد دراسات السوق الزراعية (IKAR) ومقره في موسكو، والذي قدم عرضاً تقديمياً في مؤتمر HUBUDER، إلى أن روسيا وأوكرانيا تهيمنان على سوق الحبوب في تركيا. وقال بأن السوق الإيراني أبدى في السنوات الأخيرة اهتماماً كبيراً بروسيا. أما السيد أندري ديفوا Andrée Defois، مدير تحرير مكتب البحوث والتحليلات الاقتصادية الزراعية ومقره فرنسا ورئيس شركة تالاج للحبوب الاستراتيجية، فقد قال بأنهم يتوقعون زيادة في انتاج القمح على الصعيد العالمي هذا العام بحوالي 10 مليون طن. وأفاد السيد ديفوا بأن القمح الروي هو أرخص أنواع القمح في العالم في الوقت الحالي، وبأن هذه الحالة ستستمر لغاية شهري نوفمبر- ديسمبر مع الحصاد الجديد.