أرونود بيتيت
المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب (IGC)
«إن الخطر الأكبر الساري على جميع القطاعات هو تقلبات الأسعار التي ستؤثر على توافر المواد الغذائية والطلب عليها. قد تمنع التقلبات الحادة في الأسعار قطاع المواد الغذائية من الإنتاج بكامل طاقته. هناك عاملان أديا إلى أزمة الغذاء عام 2008، وهما انحسار العرض وارتفاع أسعار الطاقة. والعكس صحيح في الأزمة الحالية. الشيء المهم هنا هو عدم التسبب بالذعر غير المبرر. نتوقع تسجيل رقم قياسي في إنتاج الحبوب. كما أعلنت العديد من الحكومات عن حزم دعم للاقتصاد. بالتأكيد يجب ألا نغفل ذلك».
انتشر وباء فيروس كورونا في أكثر من 180 دولة، مما أسر الكثير من الناس. أدى الوباء، الذي قتل عشرات الآلاف من الناس، إلى وضع ضغط عالمي كبير على نظم الرعاية الصحية وسلسلة توريد المواد الغذائية. الناس الذين هرعوا إلى الأسواق مذعورين قاموا بتخزين الدقيق والمكرونة والبقوليات. واختل فجأة توازن العرض والطلب في أسواق الحبوب، بينما بدأت الحكومات في اتخاذ تدابير لحظر تصدير الحبوب، وخاصة القمح والأرز، والتوقف عن بيع الدقيق في الخارج لضمان أمنهم الغذائي. ومع ذلك، تحذر الأمم المتحدة من أن هذه السياسات الوقائية التي تعوق تجارة الحبوب العالمية يمكن أن تؤدي إلى أزمة غذاء في جميع أنحاء العالم.
تحدثنا عن آخر التطورات في تجارة الحبوب وسلسلة التوريد مع أحد أكثر الأسماء موثوقية وكفاءة في هذا الموضوع. قام السيد أرنود بيتيت، المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب (IGC)، وهو عبارة عن منظمة حكومية دولية تقدم معلومات دقيقة وغير منحازة حول أسواق الحبوب، بتقييم الوضع الحالي في أسواق الحبوب في حوار له مع مجلة الطحان. يشغل أرنود بيتيت يشغل منصب المدير التنفيذي في المجلس الدولي للحبوب منذ فبراير 2018، وحتى اليوم، وهو اسم يتمتع بمعرفة وخبرة عميقتين في القضايا المتعلقة بأسواق الحبوب العالمية والسياسات الغذائية الدولية.
سيد بيتيت، بادئ ذي بدء، نشكرك على ردكم الإيجابي على طلب المقابلة في مثل هذا الوقت العصيب. في الوقت الذي أثيرت فيه مخاوف بشأن تفشي فيروس كورونا الذي يسبب أزمة غذائية في جميع أنحاء العالم، فإن الرسائل والمعلومات التي تقدمها لنا مهمة حقاً. أريد أن أبدأ بسؤال يدور في بال الجميع: هل يوجد مخزون حبوب سيكفي العالم كله؟ ما الذي يمكنك قوله لنا فيما يتعلق بالمستهلكين والمطاحن والحكومات الذين يشترون بداعي الذعر؟ ما هو توقع إنتاج الحبوب (قمح، ذرة، أرز) لهذا الموسم؟
خلال الشهر الماضي، ازدادت المخاوف بشأن انتشار فيروس كورونا، وكثرت التكهنات بشأن الآثار طويلة المدى على الإنتاج والاستهلاك. ترتفع الأسعار بسرعة في بعض المنتجات، خاصة بسبب ارتفاع الطلب على منتجات المواد الغذائية المصنوعة من الأرز والقمح. ومع ذلك، وبسبب ضعف الظروف الاقتصادية، قد تنخفض كميات الاستخدام على المدى الطويل. هذا ينطبق بشكل خاص على المنتجات الصناعية مثل الإيثانول والنشا المصنوعين من الذرة. على الرغم من أن الواردات في بعض السلع قد زادت في الأسابيع الأخيرة، إلا أن هناك تقارير تتحدث عن صعوبات لوجستية بسبب الانتشار المتزايد لقيود الحركة وتدابير الحجر الصحي. قد تعيق قيود النقل النشاطات الزراعية في فصل الربيع، وكذلك توزيع المحاصيل المزروعة في الحقول. ومع ذلك، يتوقع المجلس الدولي للحبوب أن أعمال الزراعة المخطط لها ستكتمل في هذه المرحلة.
لقد عدلنا تقديراتنا المتعلقة بإجمالي إنتاج الحبوب (القمح والحبوب الخشنة) لفترة 2019/20 في جميع أنحاء العالم، لتكون بحدود 2 مليار و175 مليون طن. وبالمناسبة، لقد كان التعديل في توقعات إنتاج الذرة في الإتحاد الأوروبي فعالاً جداً. ومع انخفاض الاستهلاك، عدلنا التوقعات المتعلقة بإجمالي مخزون الحبوب وزدنا عليها 4 مليون طن.
«نتوقع تحقيق رقم قياسي غير مسبوق في إنتاج الحبوب»
بالنسبة للفترة 2020/21، نتوقع أن يصل إنتاج الحبوب العالمي إلى أفضل رقم قياسي على الإطلاق، ليصل إلى 2 مليار 224 مليون طن، بزيادة بنسبة 2٪ مقارنة بالعام السابق. في هذه الفترة التي سيصل فيها عرض الحبوب إلى ذروة جديدة، نتوقع أن ينخفض المخزون قليلاً لفي نهاية الفترة مع زيادة الاستهلاك. سيحدث هذا بسبب الانخفاض السريع في المخزونات في الصين على الرغم من الزيادة في مخزونات الذرة في الولايات المتحدة. وستحطم مخزونات القمح رقماً قياسياً الأفضل على الإطلاق بفضل الصين والهند. بينما من المتوقع نمو إجمالي تجارة الحبوب بنسبة 2٪، كما ستتسارع شحنات الذرة والقمح والسرغوم.
حسناً، ما هو المشهد بالنسبة للأرز؟
فيما يتعلق بتوقعات المجلس الدولي للحبوب للعرض والطلب العالميين على الأرز في الفترة 2019/20، لم يطرأ أي تغيير ملحوظ بالمقارنة مع شهر مارس. ونظراً للتراكم في الصين والهن، هناك قفزة نوعية في الأرز عن الفترة السابقة بكميات قياسية قدرها 177 مليون طن. وبفضل مساحات الزراعة المتزايدة في البلدان المصدّرة البارزة، سيزيد إنتاج الأرز إلى 509 مليون طن في الفترة 2020/21، بنسبة 2٪ مقارنة بالعام السابق. كما أن الزيادة السكانية ستدعم الاستهلاك. وستزيد المخزونات أكثر في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الصين، التي تعد من بين أهم المصدّرين. أما التجارة، فمن المتوقع أن ترتفع بنسبة 3٪ مع الشحنات الذاهبة إلى أفريقيا. أما المصدّر الأكبر فسيكون الهند.
أدى تفشي وباء فيروس كورونا إلى زيادة في مشتريات المنتجات الغذائية الأساسية مثل الدقيق والمكرونة من أجل التخزين. وكانت هناك ارتفاع غير مسبوق في طلب المستهلكين على هذه المنتجات. ماذا تقول عن الطلب على القمح؟
لقد زاد الطلب على القمح بشكل ملحوظ مع قيام المستهلكين بتخزينه وازدياد عدد المطاحن لتلبية الطلب المرتفع. ومع ذلك، يجب ألا ننسى أن هذه المنتجات المخزنة لا يتم استهلاكها مرة واحدة ويمكن استخدامها على مدار أشهر. يمكننا أن نتوقع أن الاستهلاك سيكون قوياً في معظم البلدان. لكن، من المرجح أن تؤثر الظروف الاقتصادية على الطلب بشكل سلبي في الفترة المقبلة. بالإضافة لذلك، فإن التأثير السلبي على الطلب على القمح لن يكون على الأرجح مثل التأثير على المواد الخام المستخدمة في المنتجات الصناعية مثل الذرة والبذور الزيتية. قد يؤثر التذبذب في أسواق العملات الأجنبية على كمية استهلاك منتجات المواد الغذائية التي يتم الحصول عليها من القمح في بعض البلدان التي تستورد القمح.
«التقلبات الحادة في الأسعار قد تعيق الإنتاج بالطاقة الكاملة»
يضع الفيروس ضغطاً هائلاً على سلسلة توريد منتجات المواد الغذائية. واتخذت العديد من البلدان تدابير تقييدية إزاء تصدير الحبوب والدقيق لضمان أمنها الغذائي. كيف ستؤثر هذه التدابير على تجارة الحبوب وأسعارها؟
إن الخطر الأكبر على جميع القطاعات هو تقلبات الأسعار التي ستؤثر على توافر المواد الغذائية والطلب عليها. وقد تعيق التقلبات الحادة في الأسعار الإنتاج بالطاقة الكاملة في صناعة المواد الغذائية. إلى جانب ذلك، فإنه من غير الواضح ما هي آثار المشتريات بداعي الذعر في بعض البلدان. وهل سيقلل المستهلكون من شراء المواد الغذائية في النصف الثاني من العام؟ من السابق لأوانه التعليق على ذلك.
«القيود المشددة تضر بالمنتجين»
هل تشعر بالقلق إزاء تدابير مثل الحجر الصحي وحظر التجول والقيود المفروضة على السفر، وهل سيكون لها تأثير سلبي على إنتاج الحبوب وحصادها؟
لا شك بأن التدابير المتعلقة بالصحة ضرورية للتغلب على تفشي المرض في أسرع وقت ممكن. هناك معلومات تفيد بأن القيود المفروضة على السفر وحصص الكوتا الجمركية تؤثر على التجارة. يجب أن نكون حذرين عند مشاركة هذه المعلومات، لأن حصص الكوتا لبعض معدلات التعريفات الجمركية لا تؤثر على القدرات التجارية. في هذا الوقت من العام، تم بالفعل فرض بعض القيود على الحجم ولم يكن لها تأثير على القدرات التجارية أو الأمن الغذائي. ومع ذلك، إذا كانت هناك قيود صارمة في البلدان المصدّرة، فإن ضغط الأسعار يقع على المزارعين المحليين.
ما هي أهمية التشغيل المنتظم لتجارة الحبوب العالمية واستقرار سوق الحبوب من حيث ضمان الأمن الغذائي في العالم؟
للعولمة فائدتان هامتان للمجتمع وتجار الحبوب: أولها، أن العولمة هي أهم أداة في مواجهة التقلبات الحادة في الأسواق. فالغرض من التجارة هو القضاء على الاختلافات في عرض المنتجات من مناطق مختلفة والقضاء على التقلبات الحادة في أسعار المواد الغذائية الأساسية. شهد المزارعون في الولايات المتحدة انخفاضاً حاداً في إنتاج القمح هذا العام. ومع ذلك، لم تتأثر الأسواق كثيراً بسبب الزيادة في كمية الإنتاج في أمريكا الجنوبية. والفائدة الثانية للعولمة هي أنها تسمح بتكامل السلسلة الغذائية مع قطاعات الاقتصاد الأخرى. على سبيل المثال، يمكن استهلاك الحبوب المستخدمة للأعلاف والصناعة بطريقة تحل محل بعضها البعض حسب الوضع. فلولا العولمة لكان هذا الاتجاه أبطأ.
أخبار متعلقة بسياسات COVID-19
ما الذي يفعله المجلس العالمي للحبوب للتقليل من العوائق أمام سلسلة توريد الحبوب في هذه الفترة العصيبة؟
تستند اتفاقية تجارة الحبوب إلى التعاون بين أطراف الاتفاقية لزيادة تجارة الحبوب الدولية وضمان استمرار التجارة بحرية قدر الإمكان. ولضمان ذلك، تقدم أمانة المجلس الدولي للحبوب للأعضاء أحدث التحليلات المتعلقة بالسوق. حيث قمنا في هذا السياق بتطوير قناة تجمع أخبار حول السياسات المتعلقة بفيروس كورونا الذي تؤثر على تجارة الحبوب والأرز والبذور الزيتية. إن الفهم المشترك والاطلاع على أحدث بيانات السوق يمكّنان الدول من تنظيم سياساتها بشأن الأمن الغذائي.
كما يشجعنا الاهتمام بالعضوية في اتفاقية تجارة الحبوب. حيث أنه بتاريخ 1 أبريل 2020، أصبحت صربيا العضو رقم 59 في المجلس الدولي للحبوب. وكلما زاد عدد الدول التي تجتمع لمعالجة قضايا التجارة العالمية، زادت فرصنا في تحسين الوضع.
حزم الدعم من الحكومات تعطي الثقة
إن التجارب المؤلمة في أزمة الغذاء العالمية في الفترة 2007-2008 ما زالت عالقة في أذهاننا. ماذا علّمت هذه الأزمة العالم؟ هل تعتقد أننا تعلمنا من هذه الأزمة؟
كان هناك عاملان رئيسيان أديا إلى أزمة عام 2008، وهما انحسار العرض وارتفاع أسعار الطاقة. والعكس صحيح في الأزمة الحالية! الشيء المهم هنا هو عدم التسبب بالذعر غير المبرر. لقد أعلنت العديد من الحكومات بالفعل أنها ستتخذ تدابير لدعم الاقتصاد عندما ينتهي تفشي المرض. يجب ألا ننسى هذا بالتأكيد.