بريسلاف رايكوف
مدير تجارة السلع
تقدم قطاع الحبوب البلغاري نحو الأمام بنجاح في اجتياز المياه المضطربة لأسواق الحبوب العالمية خلال الموسمين الماضيين. حيث تنجح الجهات الفاعلة في صناعة الحبوب والبذور الزيتية البلغارية في الحفاظ على أشرعتهم في خضم الرياح العاتية، على الرغم من أن شحنات الحبوب الرئيسية في البحر الأسود قد شهدت تغيراً كبيراً في الاتجاه بسبب الصراع في أوكرانيا، ولا تزال الأسعار العالمية تشهد تقلبات متزايدة وانخفاضات طويلة الأمد، إلى جانب الاختناقات اللوجستية والتدخلات الحكومية. يستمر القطاع في التحرك بنجاح في الاتجاه الصحيح على الرغم من بعض المخاطر المتزايدة والاختلالات الواضحة في التوازن.
إن تعطيل طرق التجارة في البحر الأسود، وارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية، والضغوط التضخمية المستمرة إلى الآن، والافتقار إلى الاستثمارات الحكومية الكافية في البنية التحتية للتصدير والخدمات اللوجستية، هي التحديات الرئيسية التي تسببت في انخفاض إجمالي إنتاج الحبوب في البلاد هذا العام وأثرت على المدى القصير على القدرة التنافسية لبلغاريا في الأسواق الزراعية العالمية.
كل ذلك، بالإضافة إلى الظروف المناخية الحتمية خلال الموسم والتي شهدت ارتفاعاً في درجات الحرارة بأرقام قياسية، وضع ضغوطاً هائلة على المزارعين والتجار والمصنعين والمسؤولين الحكوميين البلغار الذين يحاولون التغلب على هذه الدوامة من التحديات المعقدة. لكن وعلى الرغم من أن القطاع الزراعي في بلغاريا يمر بفترة صعبة، إلا أنه مستمر في التقدم بالاتجاه الصحيح على المدى الطويل. لأن قطاع الحبوب لا يزال أحد أهم القطاعات في ميزان التجارة الخارجية لبلغاريا. ومن المتوقع أن تصل عائدات تصدير الحبوب لعام 2023 إلى حوالي 3.9 مليار دولار. ويستمر القطاع في طريقه مع هذا الاتجاه التصاعدي طويل المدى في أرقام الصادرات وزيادة الطلب على منتجات الحبوب البلغارية. وعلى الرغم من أن التركيبة اصديق المزارعينب المكونة من بين المحصول القياسي والأسعار القياسية لم تعد موجودة في السوق الزراعية المحلية هذا الموسم، كما كان الحال في العامين الماضيين، إلا أن القطاع لا يزال من بين أسرع القطاعات نمواً في البلاد، حيث بلغ متوسط زيادة في الدخل تزيد عن 50% خلال آخر 5-7 سنوات. وهذا يجعل من القطاع مكاناً جيداً وجاذباً للاستثمارات الخاصة والأفكار ذات المنظور طويلا المدى التي تتشكل وتتحقق بشكل متزايد.
في أعقاب هذا الاتجاه القوي للتصدير والجاذب طويل المدى، زادت شركات الحبوب البلغارية إجمالي إيراداتها بنسبة مذهلة بلغت 37%، وحققت دخلاً تشغيليًا قدره 2.17 مليار يورو، مع الحفاظ على مكانتها الأولى في المنطقة للسنة الثالثة على التوالي، مع زيادة بنسبة 23.2% في إجمالي هامش صافي الربح. لكن تجدر الإشارة إلى أن المنافسة المتزايدة في المنطقة خاصة مع ميناء كونستانتا، في رومانيا المجاورة، في تسهيل عبور شحنات الحبوب في أوكرانيا، تضع ضغوطاً على المنتجين وتجار الحبوب البلغار. وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى آثار إيجابية طويلة المدى على الصناعة، لأنه ستكون هناك حاجة إلى الابتكار والتحسين من أجل المنافسة بفعالية.
الطلب القوي على الصادرات مستمر في دعم هذا القطاع
تعود أسعار السوق من أعلى مستوياتها، ويترجم هذا إلى بعض نقاط الضعف في الجانب الإنتاجي لصناعة الحبوب والبذور الزيتية، والتي تنجم بشكل رئيسي عن ارتفاع أسعار البذور والوقود والأسمدة ومنتجات حماية النباتات. وانعكس كل ذلك على انخفاض مستويات المحصول والإنتاج في موسم 2022-23. وبالنظر إلى أرقام إنتاج الحبوب لموسم 2023-24، يتبين أن إجمالي إنتاج الحبوب في بلغاريا انخفض بنسبة 26% تقريباً مقارنة بالعام السابق. وشهد قطاع الحبوب في البلاد انخفاضاً في مجموعة واسعة من المنتجات، بما في ذلك 12% في القمح (6.8 مليون طن)، و11% في الشعير (625 ألف طن)، و26% في الذرة (2.55 مليون طن). وعلى الرغم من هذه الانخفاضات في الإنتاج، فقد سجلت البلاد زيادة في القمح، وهو من أهم الحبوب في التصدير، وحققت إمكانات مبيعات جيدة بين بعض المستوردين الرئيسيين في المنطقة وحول العالم.
المخزونات الابتدائية الكبيرة والطلب الإيجابي على الصادرات في النصف الثاني من هذا العام مكّنتا بلغاريا من زيادة صادراتها من القمح لموسم 2023-2024 إلى أكثر من 3.3 مليون طن بحلول نهاية شهر نوفمبر، مما أدى إلى عودة قوية لها إلى الأسواق العالمية مع ارتفاع الطلب الوارد من المناطق الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وعلى الرغم من أن أسعار القمح العالمية كانت أقل بكثير مقارنة بالموسم السابق، فقد لوحظ أنها لا تزال توفر هامش ربح إيجابي للمنتجين هذا العام، على الرغم من ادعاءات المسؤولين في القطاع بأن بعض الكسور كانت أقل من تكاليف الإنتاج.
أما بالنسبة للذرة، وهي من أنواع الحبوب المهمة الأخرى، فقد عانت بلغاريا من أضرار جسيمة بسبب سوء الأحوال الجوية. وكان للجو الصيفي الحار والجاف جداً تأثير سلبي خطير على محصول الذرة في البلاد. وعلى الرغم من أن جدول المحصول كان متفاوتاً للغاية في مناطق مختلفة، إلا أن إجمالي الحصاد وصل إلى 2.5 مليون طن بمتوسط إنتاجية 4.2 طن/هكتار. وأدى هذا الانخفاض في الإنتاج والكفاءة إلى انخفاض إمكانات التصدير. ومن المتوقع أن تصدر بلغاريا مليون طن فقط من الذرة هذا الموسم، أي أقل بمقدار 0.4 مليون طن عن الموسم الماضي.
بسبب سوء الأحوال الجوية وانخفاض المحصول على مدار عامين متتاليين، قد تنخفض جاذبية زراعة الذرة في بلغاريا إلى حد كبير وقد تنخفض المساحات المزروعة بهذا المنتج في ربيع عام 2024 بشكل كبير. خلال هذا العام، تطلبت الذرة أعلى تكلفة إنتاج مقارنة بالحبوب والبذور الزيتية الأخرى، وكان هامش ربحها أقل بسبب انخفاض المحصول والأسعار. وقد تسبب هذا في إحجام العديد من المنتجين عن الاستمرار في زراعة الذرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وفرة إمدادات الذرة في بلدان البحر الأسود الأخرى هذا العام وضعت ضغوطاً إضافية على المزارعين البلغار.
توجد إمكانات هائلة في البذور الزيتية
منذ ما يقرب من 10 سنوات، تباين بشكل كبير مستوى الإنتاج المحلي من البذور الزيتية في بلغاريا والمواد الخام التي يحتاجها قطاع المعالجة. وبتعبير أدق، تحتاج الصناعة التحويلية المحلية كثيراً إلى المواد الخام، والتي غالباً ما يتم تلبيتها عن طريق الواردات. لكن، الوضع بعد اندلاع الصراع في أوكرانيا جعل هذا السوق نابضاً بالحياة من حيث الحجم والأسعار. حيث وضعت الاستثمارات الناجحة والرؤية لصناعة معالجة البذور الزيتية بلغاريا في مقدمة موردي زيت عباد الشمس المكرر في الاتحاد الأوروبي ودفعت البلاد إلى الأمام في قطاع الوقود الحيوي. لا تزال بلغاريا رائدة على مستوى العالم في صادرات بذور عباد الشمس من أجل المخابز، مما يوفر قيمة مضافة كبيرة لقطاع معالجة البذور الزيتية في البلاد. ومن المتوقع أن يصل إجمالي إنتاج البذور الزيتية في البلاد هذا الموسم إلى 2.48 مليون طن.
أدت الظروف الجوية السيئة في البلاد إلى انخفاض كبير في إنتاج عباد الشمس هذا الموسم. وانخفض إجمالي الإنتاج، الذي بلغ 2.1 مليون طن عام 2022، إلى 1.6 مليون طن في نهاية موسم الحصاد هذا العام، ليشهد انخفاضاً سنوياً بنسبة 23%، وظل محتوى الزيت منخفض الجودة للغاية، ويكافح للوصول إلى 40%. بشكل عام، تشير التوقعات بأن يبقى إنتاج البذور الزيتية في بلغاريا لموسم 2023-2024 مستقراً، بما أن متوسط إنتاج بذور اللفت وعباد الشمس عند نفس مستوى الموسم الماضي.
وبالنسبة لبذور اللفت، تسجل بلغاريا أرقام واردات عالية بسبب الطلب المتزايد على الوقود الحيوي في الأسواق الأوروبية، فضلاً عن إمكانات البلاد لمواصلة توسيع مرافق الإنتاج في هذا المجال. ويقدر إنتاج اللفت، الذي كان قد بلغ 299 ألف طن في العام السابق، بـ 275 ألف طن لعام 2023. ومع تزايد الطلب على بذور اللفت من أجل الوقود الحيوي، زادت واردات بذور اللفت خلال العام بنسبة 86%، من 52 ألف طن في الموسم السابق إلى 96 ألف طن بحلول منتصف العام.
استوردت بلغاريا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي معظم بذور عباد الشمس من أوكرانيا، بحصة 38% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي في موسم 2022-2023. لكن تعثر هذا الوضع إلى حد كبير بسبب الحظر الذي فرضته الحكومة البلغارية على واردات الحبوب والبذور الزيتية من أوكرانيا. وقد أدى هذا القرار، الذي تم اتخاذه دون الاستناد إلى تحليل اقتصادي معقول وبدون التنسيق مع صناعة الكسارات والمعالجات المحلية، إلى اضطرابات خطيرة في فئات التكسير والتقشير في البلاد، مع انخفاض بنسبة 40% تقريباً في إجمالي الأحجام المعالجة لكليهما، البذور الزيتية والبذور ذات القشرة. وقد أدى هذا النقص في العرض إلى زيادة المنافسة المحلية في أسواق بذور عباد الشمس، مما دعم ارتفاع الأسعار في أوكرانيا ورومانيا ومولدوفا وتركيا، حيث تعد الصناعة البلغارية مشترياً رئيسياً. تحتاج بلغاريا في العادة إلى استيراد حوالي 1.8 مليون طن من بذور عباد الشمس لتلبية سعة التسكير المحلية لديها، والتي تحسنت بشكل كبير على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية. أدى هذا القرار وعدم وجود تواصل واضح بين الحكومة والمنتجين المحليين إلى حالة كبيرة من عدم اليقين لدى المزارعين، الذين بدأوا في حماية مواقعهم وقلصوا العرض المحلي بشكل أكبر، مما خلق ضغوطاً نقدية وضغوطاً على التوريد على المنتجين المحليين للموسم الذي يليه.
يتمتع قطاع معالجة البذور الزيتية البلغاري بفرصة التوسع في معالجة البذور الزيتية الأخرى في السنوات القادمة، لأن الاتحاد الأوروبي يسير على الطريق الصحيح في تطبيق استراتيجيته بخصوص البروتين، والتي ستزيد من الحوافز للإنتاج المحلي والإقليمي وتصنيع منتجات البروتين مثل فول الصويا والبازلاء. وتلاحظ بلغاريا بالفعل زيادة في النشاط الاستثماري في هذه القطاعات وفي معالجات البذور الزيتية الحالية.
النقص في البنية التحتية تجري معالجته من قبل رأس المال الخاص
من المؤكد أن الحكومة البلغارية لا تبذل جهوداً كافية من ناحية البنية التحتية لاستغلال الفرص الحالية التي ظهرت بعد بدء الصراع في أوكرانيا على نحو صحيح. ولا تزال بلغاريا، البعيدة جداً عن رومانيا وبولندا، والتي يمكنها التفاوض على مبالغ كبيرة لنفقات البنية التحتية من أجل نشطاات الموانئ والخدمات اللوجستية، متخلفة عن هذا الاتجاه. لا يتم دعم موانئ فارنا وبورغاز، وكذلك ميناء ومحطات نهر الدانوب، علة نحو كافِ لتلبية احتياجات البنية التحتية المتزايدة للتصدير في البلاد.
وعلى الرغم من ذلك، يلعب رأس المال الخاص دوراً نشطاً للغاية في الإنفاق على البنية التحتية، ومشاريع مرافق المعالجة والتصدير الجديدة (سواء البحرية أو النهرية). في السنوات السبع الماضية، نفذ القطاع الخاص نشاطات استثمارية مكثفة للغاية في مرافق تخزين وتجفيف الحبوب، بالإضافة إلى إنشاء مرافق تشغيلية موسعة من أجل توسيع وتحديث البنية التحتية اللوجستية للحبوب داخل البلاد. وقد قدم كل هذا حوافز جيدة جداً للمزارعين لتوسيع عملياتهم والانخراط بشكل أكبر في تجارة الحبوب ونشاطات الحماية من الأخطار.
وعلى الرغم من ذلك، يلعب رأس المال الخاص دوراً نشطاً للغاية في الإنفاق على البنية التحتية، ومشاريع مرافق المعالجة والتصدير الجديدة (سواء البحرية أو النهرية). في السنوات السبع الماضية، نفذ القطاع الخاص نشاطات استثمارية مكثفة للغاية في مرافق تخزين وتجفيف الحبوب، بالإضافة إلى إنشاء مرافق تشغيلية موسعة من أجل توسيع وتحديث البنية التحتية اللوجستية للحبوب داخل البلاد. وقد قدم كل هذا حوافز جيدة جداً للمزارعين لتوسيع عملياتهم والانخراط بشكل أكبر في تجارة الحبوب ونشاطات الحماية من الأخطار (hedging).