أدى استهداف الحوثيين اليمنيين للسفن في البحر الأحمر، وهو أحد أهم طرق التجارة العالمية، رداً على الهجمات الإسرائيلية على غزة، إلى تعطيل شحنات الحبوب عبر قناة السويس. وبينما تحوّل السفن مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح، فإن الأزمة الحالية تؤثر سلباً على شحنات الحبوب من أوروبا وروسيا وأوكرانيا. ويؤدي عدم إمكانية استخدام قناة السويس، التي يمر عبرها ما يقارب 15% من تجارة الحبوب العالمية، إلى زيادة التكاليف ويشكل خطراً على الأمن الغذائي في البلدان التي تعتمد على واردات الحبوب.
لقد أثرت الهجمات التي نفذها الحوثيون منذ شهر نوفمبر الماضي رداً على القصف الإسرائيلي على غزة بشدة على سلاسل التوريد العالمية من خلال إجبار أكبر شركات الشحن في العالم على تحويل سفنها من قناة السويس إلى رأس الرجاء الصالح.
تعتبر قناة السويس أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا بطول 192 كيلومتر. وفي عام 2023، مرت عبر قناة السويس 24 ألف سفينة، وهو ما يشكل ما يقارب 12 بالمائة من التجارة البحرية العالمية من حيث الحجم. لكن، انخفض حجم التجارة عبر قناة السويس بنسبة 40% تقريباً منذ بدء الهجمات. تعد هذه القناة أيضاً طريقاً هاماً لتجارة الحبوب العالمية. وبحسب تشاثام هاوس، فإن ما يقارب 14% من الحبوب المتداولة عالمياً تمر عبر قناة السويس. ومع ذلك، فإن هذه النسبة أعلى بكثير بالمقارنة مع بعض البلدان المصدرة. حيث يمر خمس تجارة القمح العالمية عبر قناة السويس.
لكن الأزمة الحالية تعطّل شحنات الحبوب وغيرها من المنتجات الهامة من أوروبا وروسيا وأوكرانيا. وهذا قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالنسبة للمستهلكين في البلدان المستوردة وخفض الأسعار المدفوعة للمنتجين في البلدان المصدّرة، مما يشكل خطراً على الأمن الغذائي غير المستقر بالأساس، وخاصة في بعض البلدان التي تعتمد على واردات المواد الغذائية.
ارتفاع تكاليف نقل الحبوب وتأخر أوقات التسليم
يؤدي تحول السفن إلى طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من طريق البحر الأحمر إلى ارتفاع تكاليف النقل وتأخير التسليم. إن تغيير مسار السفينة إلى رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس يضيف ما يقارب 10 أيام ومليون دولار من تكاليف الوقود لكل رحلة في اتجاه واحد بين آسيا وأوروبا. على سبيل المثال، بالنسبة للقمح الروسي الذي يتم شحنه من ميناء نوفوروسيسك على البحر الأسود إلى ميناء مومباسا في كينيا، فإن المرور عبر رأس الرجاء الصالح عوضاً عن قناة السويس يزيد المسافة بنحو 5607 ميل بحري. وهذا يزيد وقت الرحلة من 14 يوماً إلى 34 يوماً، مما يزيد زيادة كبيرة من تكاليف الوقود وتشغيل السفن. وتظهر البيانات التي تم الحصول عليها منذ يوليو 2020 أن ما يقارب 20-30% من صادرات القمح العالمية من المحتمل أن تتأثر بهذا التغيير في المسار.
انخفاض حاد في عبور الحبوب عبر قناة السويس
حسب بيانات منظمة التجارة العالمية، انخفض إجمالي شحنات الحبوب والبذور الزيتية عبر قناة السويس من 7.2 مليون طن في شهر نوفمبر 2023 إلى 5.9 مليون طن في شهر ديسمبر. وفي شهر يناير، كان هناك انخفاض حاد في حركة المرور عبر قناة السويس. وفي حين عبر 900 ألف طن فقط من الحبوب في شهر يناير، فهذا الرقم هو أقل بثلاث مرات من الرقم في العام السابق و63% أقل من متوسط آخر ثلاث سنوات. مرة أخرى، وبحسب منظمة التجارة العالمية، تم نقل ما يقارب 500 ألف طن من القمح من بداية شهر ديسمبر إلى منتصف شهر يناير من الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا إلى آسيا وشرق إفريقيا عبر طرق بديلة. وكان هذا الرقم 50 ألف طن فقط لنفس الفترة من العام الماضي.
ويقول الخبراء إن دول شرق أفريقيا وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وشرق آسيا ستكون الأكثر تضرراً من أزمة البحر الأحمر. بينما دول شرق أفريقيا وإيران وباكستان هي أكثر عرضة للاضطرابات التجارية بسبب اعتمادها الكبير نسبياً على واردات القمح من أوروبا والبحر الأسود. ومن الممكن أن تضع الأزمة اللوجستية المزيد من الضغوط على تضخم أسعار المواد الغذائية، الذي كان قد بدأ في الانخفاض في هذه البلدان في العام الماضي، بعد زيادات أسعار المستهلك في عام 2022. وإذا استمرت اضطرابات الشحن، فمن الممكن أن تختار هذه البلدان المستوردة للحبوب خيار اللجوء إلى موردين بديلين لا تواجه صادراتهم مشاكل في الشحن، مثل أستراليا أو الأرجنتين.
وسيؤثر ارتفاع تكاليف الشحن أيضاً على الصين. لأن أوكرانيا في السنوات الخمس الماضية أصبحت مورداً هاماً للذرة إلى الصين. حيث أنه منذ عام 2020، شحنت أوكرانيا ما متوسطه 30% من إجمالي واردات الذرة لهذا البلد. ومن المرجح أن يدفع ارتفاع تكاليف شراء الذرة من أوكرانيا الصين إلى زيادة وارداتها من الولايات المتحدة والبرازيل.