BLOG

أزمة البحر الأحمر تهز سلاسل توريد الحبوب

08 رمضان 14454 دقيقة للقراءة

أدى‭ ‬استهداف‭ ‬الحوثيين‭ ‬اليمنيين‭ ‬للسفن‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬طرق‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬الهجمات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬شحنات‭ ‬الحبوب‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭. ‬وبينما‭ ‬تحوّل‭ ‬السفن‭ ‬مساراتها‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح،‭ ‬فإن‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬تؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬شحنات‭ ‬الحبوب‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬وروسيا‭ ‬وأوكرانيا‭. ‬ويؤدي‭ ‬عدم‭ ‬إمكانية‭ ‬استخدام‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬عبرها‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬15%‭ ‬من‭ ‬تجارة‭ ‬الحبوب‭ ‬العالمية،‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬التكاليف‭ ‬ويشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬الحبوب‭.‬

لقد‭ ‬أثرت‭ ‬الهجمات‭ ‬التي‭ ‬نفذها‭ ‬الحوثيون‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إجبار‭ ‬أكبر‭ ‬شركات‭ ‬الشحن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬سفنها‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح‭.‬

تعتبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬أسرع‭ ‬طريق‭ ‬بحري‭ ‬بين‭ ‬آسيا‭ ‬وأوروبا‭ ‬بطول‭ ‬192‭ ‬كيلومتر‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬مرت‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬24‭ ‬ألف‭ ‬سفينة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬12‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬التجارة‭ ‬البحرية‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحجم‭. ‬لكن،‭ ‬انخفض‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬بنسبة‭ ‬40%‭ ‬تقريباً‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الهجمات‭. ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬القناة‭ ‬أيضاً‭ ‬طريقاً‭ ‬هاماً‭ ‬لتجارة‭ ‬الحبوب‭ ‬العالمية‭. ‬وبحسب‭ ‬تشاثام‭ ‬هاوس،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬14%‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬المتداولة‭ ‬عالمياً‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬المصدرة‭. ‬حيث‭ ‬يمر‭ ‬خمس‭ ‬تجارة‭ ‬القمح‭ ‬العالمية‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭.‬

لكن‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية‭ ‬تعطّل‭ ‬شحنات‭ ‬الحبوب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬الهامة‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬وروسيا‭ ‬وأوكرانيا‭. ‬وهذا‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمستهلكين‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المستوردة‭ ‬وخفض‭ ‬الأسعار‭ ‬المدفوعة‭ ‬للمنتجين‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬المصدّرة،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬غير‭ ‬المستقر‭ ‬بالأساس،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭.‬

ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬نقل‭ ‬الحبوب‭ ‬وتأخر‭ ‬أوقات‭ ‬التسليم

يؤدي‭ ‬تحول‭ ‬السفن‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬رأس‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬النقل‭ ‬وتأخير‭ ‬التسليم‭. ‬إن‭ ‬تغيير‭ ‬مسار‭ ‬السفينة‭ ‬إلى‭ ‬رأس‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬يضيف‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬10‭ ‬أيام‭ ‬ومليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬الوقود‭ ‬لكل‭ ‬رحلة‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬واحد‭ ‬بين‭ ‬آسيا‭ ‬وأوروبا‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقمح‭ ‬الروسي‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬شحنه‭ ‬من‭ ‬ميناء‭ ‬نوفوروسيسك‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأسود‭ ‬إلى‭ ‬ميناء‭ ‬مومباسا‭ ‬في‭ ‬كينيا،‭ ‬فإن‭ ‬المرور‭ ‬عبر‭ ‬رأس‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬يزيد‭ ‬المسافة‭ ‬بنحو‭ ‬5607‭ ‬ميل‭ ‬بحري‭. ‬وهذا‭ ‬يزيد‭ ‬وقت‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬14‭ ‬يوماً‭ ‬إلى‭ ‬34‭ ‬يوماً،‭ ‬مما‭ ‬يزيد‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬تكاليف‭ ‬الوقود‭ ‬وتشغيل‭ ‬السفن‭. ‬وتظهر‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬يوليو‭ ‬2020‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬20-30%‭ ‬من‭ ‬صادرات‭ ‬القمح‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تتأثر‭ ‬بهذا‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المسار‭.‬

انخفاض‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬عبور‭ ‬الحبوب‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس

حسب‭ ‬بيانات‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬انخفض‭ ‬إجمالي‭ ‬شحنات‭ ‬الحبوب‭ ‬والبذور‭ ‬الزيتية‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬من‭ ‬7.2‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023‭ ‬إلى‭ ‬5.9‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭. ‬وفي‭ ‬شهر‭ ‬يناير،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬انخفاض‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬عبر‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭. ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬عبر‭ ‬900‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الحبوب‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يناير،‭ ‬فهذا‭ ‬الرقم‭ ‬هو‭ ‬أقل‭ ‬بثلاث‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬الرقم‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬و63%‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬متوسط‭ ‬آخر‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭. ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وبحسب‭ ‬منظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬تم‭ ‬نقل‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬القمح‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬شهر‭ ‬ديسمبر‭ ‬إلى‭ ‬منتصف‭ ‬شهر‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وروسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬آسيا‭ ‬وشرق‭ ‬إفريقيا‭ ‬عبر‭ ‬طرق‭ ‬بديلة‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬فقط‭ ‬لنفس‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭.‬

ويقول‭ ‬الخبراء‭ ‬إن‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬أفريقيا‭ ‬وجنوب‭ ‬آسيا‭ ‬وجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬وشرق‭ ‬آسيا‭ ‬ستكون‭ ‬الأكثر‭ ‬تضرراً‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭. ‬بينما‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬أفريقيا‭ ‬وإيران‭ ‬وباكستان‭ ‬هي‭ ‬أكثر‭ ‬عرضة‭ ‬للاضطرابات‭ ‬التجارية‭ ‬بسبب‭ ‬اعتمادها‭ ‬الكبير‭ ‬نسبياً‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬القمح‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬والبحر‭ ‬الأسود‭. ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬الأزمة‭ ‬اللوجستية‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬تضخم‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬بعد‭ ‬زيادات‭ ‬أسعار‭ ‬المستهلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭. ‬وإذا‭ ‬استمرت‭ ‬اضطرابات‭ ‬الشحن،‭ ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭ ‬المستوردة‭ ‬للحبوب‭  ‬خيار‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬موردين‭ ‬بديلين‭ ‬لا‭ ‬تواجه‭ ‬صادراتهم‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬الشحن،‭ ‬مثل‭ ‬أستراليا‭ ‬أو‭ ‬الأرجنتين‭.‬

وسيؤثر‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الشحن‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الصين‭. ‬لأن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬الماضية‭ ‬أصبحت‭ ‬مورداً‭ ‬هاماً‭ ‬للذرة‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭. ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬شحنت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ما‭ ‬متوسطه‭ ‬30%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬واردات‭ ‬الذرة‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭. ‬ومن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬شراء‭ ‬الذرة‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬وارداتها‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والبرازيل‭.‬

مقالات في فئة اخبار