تراجعت أسعار الأرز العالمية إلى أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة. ويُعزى هذا الانخفاض إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها ارتفاع قيمة الروبية في الهند، وهي أكبر مُصدّر للأرز في العالم، إلى جانب المستويات العالية من المخزونات والإنتاج القياسي في آسيا، ما يجعل من الصعب تعافي الأسعار في عام 2025. ويؤكد ممثلو القطاع أن الأسعار ستتوازن عند المستويات الحالية، غير أن فائض المعروض القادم من الهند لا يُبشّر بحدوث ارتفاع كبير في الأسعار. وقد كانت الدول الأكثر استفادة من هذا الانخفاض في الأسعار هي الفلبين، إندونيسيا، المملكة العربية السعودية، السنغال، ساحل العاج، نيجيريا،وغينيا.
في حين أن انخفاض أسعار الأرز يوفّر ميزة للمستهلكين في إفريقيا وغيرها من المناطق ذات الحساسية العالية للأسعار، إلا أن ذلك يفاقم الضغوط على دخول المزارعين في آسيا، التي تنتج نحو 90% من الإنتاج العالمي للأرز، حيث إن دخولهم كانت منخفضة في الأصل. وقد بدأت الأسعار بالانخفاض في شهر أبريل، عقب قرار الهند إلغاء جميع قيود التصدير التي كانت قد بدأت تطبيقها في عام 2022. وانخفضت أسعار تصدير الأرز نصف المسلوق (parboiled rice) في الهند إلى أدنى مستوى لها منذ 22 شهر. كما سجّلت الأسعار في تايلاند أدنى مستوى لها خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي فيتنام تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ نحو خمس سنوات.
يتوقّع التجّار وممثلو القطاع أن الأسعار، التي انخفضت بما يقارب الثلث مقارنةً بالذورة التي وصلت إليها في عام 2024، قد بلغت القاع، غير أن فائض المعروض في جميع الدول المصدّرة الكبرى سيُبقي الأسعار عند هذه المستويات طوال عام 2025. وفي تصريح أدلى به لوكالة رويترز للأنباء، قال رئيس اتحاد مصدّري الأرز في الهند، بي. في. كريشنا راو: اعلى الرغم من الانخفاض الحاد الذي شهدته الأسعار في الآونة الأخيرة، فإننا لا نتوقع حدوث تعافٍ في الأسعار. فائض المعروض سيحول دون أي ارتفاع للأسعار.ب. ويتوقّع الاتحاد أن يظل سعر الأرز المكسور 5% قريباً من مستوى 390 دولار للطن، متأرجحاً ضمن نطاق يبلغ 10 دولار.
الإنتاج العالمي للأرز سيبلغ ذروته
إن الأمطار الموسمية التي توفّر كميات وفيرة من المياه الضرورية لإنتاج الأرز هي عامل بالغ الأهمية في إنتاج الأرز. وتتوقّع هيئة الأرصاد الجوية الحكومية في الهند أن تشهد البلاد موسماً ثانياً على التوالي من الأمطار الموسمية التي تفوق المعدلات الطبيعية في عام 2025، وهو ما يُعدّ عاملًا من شأنه تعزيز الإنتاج. وبحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن الإنتاج العالمي للأرز سيبلغ مستوى قياسي خلال موسم 2024/2025 ليصل إلى 543.6 مليون طن، مقارنة بمستوى ـ535.4 مليون طن في العام السابق، ما يمثّل زيادة واضحة. ويتوقّع أن يبلغ إجمالي الإمدادات العالمية (بما في ذلك المخزونات) نحو 743 مليون طن، في حين يُرتقب أن يرتفع الطلب إلى مستوى 539.4 مليون طن.
بلغت مخزونات الأرز في الهند في المستودعات الحكومية، ابتداءً من 1 أبريل، نحو 63.09 مليون طن، وهو ما يُعادل قرابة خمسة أضعاف الهدف الحكومي البالغ 13.6 مليون طن. هذه المخزونات الضخمة إلى جانب الزيادة المتوقعة في الإنتاج تدفع المشترين إلى عدم التسرع في الشراء، فيما يتنافس البائعون على الحصص السوقية، مما يُبقي الأسعار العالمية تحت الضغط. ويتوقّع اتحاد مصدّري الأرز في الهند أن ترتفع صادرات البلاد هذا العام بنسبة 25% مقارنة بالعام الماضي، لتصل إلى مستوى قياسي قدره 22.5 مليون طن.
تستعد الهند لإغراق الأسواق العالمية بكميات قياسية من شحنات الأرز، بعدما ألغت القيود التي فرضتها على التصدير في عام 2022. وعندما يقترن ذلك بوصول المخزونات إلى ما يعادل خمسة أضعاف الأهداف الرسمية، فهذا يشكّل عامل ضغط إضافي على الأسعار العالمية. وكانت الهند، قبل عام 2022، تهيمن على أكثر من 40% من السوق العالمية، وتسعى الآن إلى استعادة موقعها المهيمن من جديد.
تعافي الروبية يساهم في استقرار أسعار الأرز
عندما أعادت الهند طرح الأرز المكسور في الأسواق خلال شهر مارس، كانت الروبية ضعيفة أمام الدولار عند مستوى 87.2، مما أدّى إلى زيادة الطلب وتراجع الأسعار. غير أن الروبية تعافت منذ ذلك الحين ووصلت إلى مستوى 84.55، كما شهدت عملات باقي الدول المصدّرة زيادة في قيمتها. ويُشار إلى أن هذا الوضع ساعد في الحيلولة دون حدوث مزيد من الانخفاض في الأسعار العالمية للأرز.
إضافة إلى ذلك، يُتيح خيار المزارعين الهنود بيع الأرز للحكومة حداً أدنى للأسعار. فإذا عرض المصدّرون أسعاراً أقل من الحد الأدنى لسعر الدعم الذي حددته الحكومة، يفضّل المزارعون البيع للحكومة. كما تعدُ الزيادة السنوية التي تحددها الحكومة للحد الأدنى للسعر عاملاً آخر يمنع أسعار التصدير من الانخفاض أكثر.
حروب التصدير في سوق الأرز
تسبّبت التقديرات المرتفعة للإمدادات القادمة من الهند في وضع صعب للمصدّرين المنافسين. إذ صرّح رئيس اتحاد مصدّري الأرز التايلانديين الفخري، تشوكيات أوفاسوونغسي، بأن صادرات تايلاند من الأرز تراجعت بنسبة 30% في الربع الأول من عام 2025 لتصل إلى مستوى 2,1 مليون طن، معللاً ذلك بجذب الهند للمشترين عبر تقديم أسعار أقل. أما بالنسبة لعام 2025، فمن المتوقع أن تنخفض صادرات تايلاند بنسبة 24% مقارنة بالعام الماضي لتبلغ 7,5 مليون طن، كما يُتوقع أن تنخفض صادرات فيتنام بنسبة 17% لتصل إلى مستوى 7,5 مليون طن أيضاً.
لقد أدّى تراجع أسعار الأرز الخام في تايلاند بنسبة 30% خلال شهر فبراير الفائت إلى احتجاج المزارعين، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بتقديم الدعم المالي لمزارعي الأرز. وأعلن وزير التجارة التايلاندي في شهر مارس أنهم يسعون إلى إيجاد حل لانخفاض أسعار الأرز من خلال التعاون مع كل من الهند وفيتنام.